فتحية طالب عضو نشيط
عدد المساهمات : 37 تاريخ التسجيل : 26/11/2013
| موضوع: الأثر النفسي للصلاة على سلوك المصلي الخميس يناير 08, 2015 11:35 am | |
| إن الصلاة في الاصطلاح هي صلة الوصل بين العبد الصالح و ربه سبحانه و تعالى، أما لغة فتعني التليين و التقويم فصلَّى الحدّاد الحديد لَيَّنَهُ و قَوَّمَهُ و صلَّى المصلي أي أنه أوصل روحه بخالقها الذي يُغْدِقُ عليها بنفحات الرحمة، فتصبح نفساً لينة بذكر الله قويمة لتفاعلها بكلامه سبحانه الذي يجعل من المسلم شخصاً يَأْلَفُ نفسه و يتوافق معها و يُؤلَف من طرف الأشخاص المحيطين به و ينسجم معهم. أما الخشوع في الصلاة فيعني في اللغة السكون و هو ضد الحركة، أما اصطلاحاً فهو حالة من السكينة و الطمئنينة تنتشر في نفس المؤمن، لاستئناسها بما تتفاعل به داخل الصلاة من آيات و أذكار و أدعية، لذلك مدح الله جل علاه الخاشعين في صلاتهم فقال: « قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون» (المؤمنون:1-2)، و رغم أن الخشوع هو حالة نفسية داخلية إلا أنه يظهر على وجه الإنسان، و الوجه هو مجمع الحسن و هو أشرف مكان في جسد الإنسان و الدليل قوله تعالى : « وجوه يومئذ خاشعة» (الغاشية:2) أي خاضعة لربها في الصلاة و خافضة ناصيتها له حياء منه سبحانه، فينعكس هذا الخشوع نوراً و ضياءاً على وجه المسلم قال جل علاه « أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين» (الزمر:22). إن العكس في هذه الحالة صحيح، فإذا كثرت الذنوب و تُرِكت الصلاة و اشتدت الغفلة في القلب و قوي الميل إلى الشيطان فيظهر كل ذلك على شكل ظلمة و سواد يعلوا وجه الإنسان، و كما مدح القرآن الخاشعين في صلاتهم فقد دَمَّ و انتقد الغافلين عنها في في نفس الآية حيث قال : «فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين».1. تاريخ تشريع الصلاة إن الصلاة كانت عبادة الأنبياء فقد أقاموها و أمروا الناس بإقامتها، فلما جاء الإسلام أخذت فيه أكمل صورة، فلم تعد مجرد ابتهالات و أذكار و أدعية فحسب، بل أصبحت ذكراً و دعاءاً و قياماً و ركوعاً و سجوداً، و تناسقت أقوالها و أفعالها بشكل تتحقق به عبودية الجسد و العقل و القلب، كما صارت للصلاة شروطاً و أركاناً و أوقاتاً و مساجد و آذان و إقامة و جماعة و غير ذلك كثير. لقد شرع الله عز و جل الصلاة للمسلمين قبل الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بثلاث سنوات في ليلة الاسراء و المعراج رغم الخلاف في سَنَتِها، فكانت الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي شُرعت في السماء و هذا دليل على عظمتها، و كانت هدِّية الله تعالى لأمة محمد صلّى الله عليه و سلّم و منذ اللحظة الأولى التي أمره الله بها و هو يحافظ عليها و يأمر المسلمين بالحفاظ عليها حتى كانت آخر وصاياه قبل أن يفارق الدنيا، فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم و هو في الموت جعل يقول : (الصلاة وما ملكت أيمانكم، فجعل يقولها وما يفيض بها لسانه) أي أنه كرّر ذلك مراراً، أخرجه النسائي وابن ماجه.و كيف لا يحرص عليها صلّى الله عليه و سلّم كل هذا الحرص، و هي الركن الثاني من أركان الإسلام العملية بعد الشهادتين و هي الأساس الذي يقوم عليه هذا الدين، فعن معاذ بن جبل {أن رسول الله صلّى عليه و سلّم } قال : (.. رأس الأمر الاسلام و عموده الصلاة و ذروة سنامه الجهاد..) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح، فالإسلام كالخيمة و الصلاة كالعمود الذي على أساسه تقف تلك الخيمة شامخة فوق الأرض. 2. الحكمة في تحديد أوقات الصلاةإن الصلاة هي منجم غني بالفوائد النفسية و من أهمها نذكر على سبيل المثال لا الحصر أنها موزعة في أوقات اليوم المختلفة، فهي لا تُؤدى مجتمعة في وقت واحد و السر في ذلك هو حث المسلم على مدوامة لقاء ربه عدة مرات في اليوم، بالليل و النهار في الصباح و المساء، ليتجدد إيمانه و تنشط نفسه من خلال الإقبال على لقاء خالقها، فترتفع بذلك همة العبد الصالح لطلب المعالي و يبتعد بالمقابل عن الفتور و الكسل في عباداته و معاملاته. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه في كل يوم من الأيام هناك أوقات من الواجب أو من المستحب أن تُؤَدَّى فيها الصلاة كوقت الظهر أو ما بين الظهر و العصر، و هناك أوقات أخرى يَحرُم أو يُكره فيها الصلاة كوقت شروق الشمس و عند غروبها، و السر في ذلك أن الله تعالى شرع الأوقات المفروضة و المستحبة للصلاة حتى يجتهد العبد الصالح في العمل على التقرب من خالقه ليشعر بالتالي بالرضى عن ذاته التَقِية النقية، أما الأوقات المحرمة و المكروهة فقد جعلها الله فرصة ليستريح العبد من آداء العبادة، حتى تنشط نفسه و تشتاق مجدداً لربط صلة الوصل مع الله جل علاه، أما مواصلة العبادة دون راحة فيصيب النفس البشرية بالملل و السآمة و هذا شعور غير مطلوب في ديننا، بل إن التوازن النفسي في شخصية المسلم يتحقق بالمزاوجة بين ثنائية العمل و الراحة التي تجعل منه إنساناً وسطياً غير مُفْرط في الصلاة و لا مُفرِّط في الراحة و العكس صحيح. حين يبدأ المصلي في أداء الصلاة وحتى اللحظة التي ينتهي فيها فإنه لا يمارس أي نشاط آخر بالموازاة معها كإشباع شهوة البطن من أكل و شرب، أو تجاذب أطراف الحديث مع الأشخاص القريبين منه، و هذه الصفة هي من مظاهر القوة في شخصية المسلم التي تَميَّز بها حبيبنا محمد صلّى الله عليه و سلّم، فحين يبدأ في ممارسة عمل معين يركز انتباهه فيه و ينشغل به كلية و لا يتركه لغيره حتى ينهيه، و بهذه الطريقة يكون الإنسان فعَّالاً و يشعر بالإحساس بالانجاز و هذا الشعور يعد من أهم ركائز الثقة بالنفس و تقدير الذات، و العكس صحيح إذا أقبل الإنسان على فعل عدة أشياء في نفس الوقت فإن انتباهه يتشتت و قوّته تتجزأ و يمضي الوقت و لا يكمل أي عمل من الأعمال التي شرع في انجازها، فيشعر بعدم فاعليته وضعف إنتاجه و ينتابه الإحساس بالدونية و احتقار الذات.إن من مظاهر الروعة في هذه العبادة المباركة، أن الله سبحانه أمر عباده بالتطهير الظاهري للجسد و الثوب و المكان قبل أداءها و حبّب هذا العمل إلى قلوبهم حين مدح المتطهرين فقال : « إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين» (البقرة :222)، كما جعل من آدابها التَجَمُّلَ و التَزَيُّنَ عند أدائها حين قال : « يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» (الأعراف :31)، و بما أن الصلوات الخمس تتوزع في مختلف ساعات اليوم فإن هذه الطهارة و تلك الزينة لا تفارق المسلم لا في ليله و لا في نهاره.
رضى الحمراني
| |
|