هناك أسباب عديدة تهئ المناخ المناسب لتسلل داء العجب الى النفوس من أهمها:
أولا: الجهل بالله عز وجل: العجب: كما تم تعريفه: هو أن ينسب المرء لنفسه نجاحاته، وينسى أن الله عز وجل هو الذي أعانه على ذلك.
فلو أيقن كل منا بأن الله عز وجل هو الذي يمده بأسباب النجاح ما دخل العجب إلى نفسه. ففي الحديث القدسي (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
قال مسروق: (بحسب امرئ من العلم أن يخشى الله، وبحسب امرئ من الجهل أن يعجب بعلمه).
ثانيا: الجهل بالنفس: نحن جميعا نستمد قوتنا من الله عز وجل، حتى الأنبياء والمرسلون، (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله)، الاعراف:188.
ثم أعطانا الله عز وجل إمكانات كالذكاء والبلاغة ولكن ليس لها أي قيمة بدون القوة الفاعلة من الله تعالى: حاجتنا إلى الله أشد من حاجة الرضيع الى أمه، بلايين الخلايا داخل جسم الإنسان تحتاج في كل لحظة إلى تعاهد ورعاية للاستمرار في أداء وظيفتها.
لذلك كان من دعائه (صلى الله عليه وسلم): (وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك).
نعم الإنسان لديه إمكانات، ولكن ما قيمتها بدون المدد الإلهي المتواصل؟ ألم يقل سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم)، ال عمران:159.
النفس: مجموعة من الشهوات والغرائز داخل الانسان، فهي تسعى دائما للحصول على شهواتها لا تنظر إلى العواقب. كالطفل الذي لا يمل من الإلحاح على أبويه في الحصول على شئ قد يكون فيه ضرر كبير عليه.
وشهوات النفس تنقسم إلى قسمين:
شهوات جلية: من طعام وشراب ومال ونساء وذهب وعقارات (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث)، ال عمران:14.
وشهوات خفية: من حب للتميز والعلو على الآخرين والإشارة إليها بالبنان، تأمل ما يحدث لك عندما يمدحك شخص ما، ألست تشعر بالسعادة؟، إن الشعور الذي يتملكنا في مثل هذه اللحظات يطلق عليه الشهوة الخفية، معنى ذلك أن النفس لن تأمر صاحبها إلا بما يحقق شهواتها، فإذا ترك لها أحد الزمام، وأحسن الظن بها فسيصبح حتما أسير لها.
ثالثا: إهمال تزكية النفس: من أسباب تضخم الذات، عدم الانتباه لهذا الأمر منذ البداية، وبالتالي عدم أخذ الحذر من هذا الداء وتركه يتسلل إلى النفس ويتمكن منها .يقول أبو حامد الغزالي: فالعبد إن لم يشتغل بتزكية نفسه بأنواع المجاهدات بقي خبيث الجوهر، فإذا خاض العلم، صادف العلم منزلاً خبيثاً فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره..
رابعا: كثرة الأعمال الناجحة: قال الحسن البصري (لو كان كلام ابن ادم صدقا وعمله كله حسنا يوشك أن يخسر، قيل كيف يخسر؟ قال: يعجب بنفسه). فكثرة الأعمال الناجحة التى يقوم بها الإنسان تشكل سببا قويا في إمكانية تسرب داء العجب إليه إن لم ينتبه، لذلك فما أسهل إقتناعه بأنه بالفعل مميز عن الآخرين لأن كلامة دوما مؤثر في الناس، لا يكاد يترك فرضا بالمسجد، منظم في شؤونه إنه أمر شديد على النفس أن يكون صاحبها هكذا ولا خالجها لحظات العجب.
خامسا: كثرة المدح: مدح شخص ما في وجهه من أخطر أسباب تضخم الذات، وهذا أمر نلمسه جميعا، ولقد انزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلا يمدح آخر في وجهه، فقال له (ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح) لماذا يفلح؟ لأنه سيصدق نفسه بما استمع إليه من عبارات المديح، فيتعاظم ويفتر عن العمل والاجتهاد وينسى ذنوبه ..
سادسا: عدم الإنتقاد: فكل صاحب السلطان ولو صغر، سيجد أمامه مساحة يتحرك فيها دون اعتراض من أحد ومن النادر أن يجرؤ أحد على انتقاده، مما يؤدي إلى تسرب داء العجب لنفسه. فالنمرود لم يكن ليدعي الربوبية لو كان فقيرا مجهولا بين الناس.
سابعا: قلة مخالطة الأكفاء وعدم وجود النصحاء: عندما يجد صاحب الإمكانات كل من حوله دونه في المستوى، فإن هذا بلا شك يهيئ نفسه أكثر لاستقبال داء العجب، لأنه يرى أن رأيه وتفكيره هو الصائب. لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي).
ثامنا: تربية الأبوين: قد تكون التربية الأولى في المنزل لها دور كبير في تضخيم الذات، من خلال اهتمام الأبوين بإشعار أبنائهما بتميزهم على أقرانهم، فهم الأشرف نسبا أو جاها أو….
تاسعا: وجود نقاط ضعف في شخصية الفرد أو في بيئته: فيتولد عن ذلك محاولته الدائمة لإثبات ذاته، وتعويض نقصه بشتى الطرق.
عاشرا: الاشتهار بين الناس: قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع)، وقال بعض السلف: (المتكلم ينتظر الفتنة، والمنصت ينتظر الرحمة)، فهذه أكثر الأسباب التي تسير دخول داء العجب إلى النفس، وكلما كثرت الأسباب كان تأثيره على النفس أشد.