لو سألت أي شاعر أو قاص أو رسام أو مفكر أو موسيقي عن حالته النفسية في اللحظات التي
تسبق البدء بعملية التعبير الإبداعي، لعثرت في إجابته على الشعور بنوع من القلق أو الاضطراب
النفسي الذي يمنع صاحبه من التوازن السليم في انفعالاته مع العالم المحيط ، عندما يبدأ هذا
الشعور يكون أشبه بومضة نفسية تبرق في لحظة التعاطي الانفعالي الصادق في الذات المتيقظة ،
وربما يحدث ذلك عبر نوع من تداعي الذكريات الشخصية المؤثرة أو عند قراءة أفكار مثيرة للجدل
ومثيرة للمخزون المعرفي أو المعتقدات ، أو من خلال تأمل مشهد خلاب في الطبيعة الحية ، أو
سماع موسيقى ذات قدرة على مخاطبة المخزون العاطفي أو ....إلخ هذه الومضة يمكن تشبيه
الإحساس بها بتلقي شحنة عالية من الطاقة النفسية لدافع معين من دوافع النفس البشرية في لحظة
يكون فيها ذلك الدافع متزناً في المستوى الذي يوجد فيه من مستويات الطاقة النفسية قبل لحظة
امتصاصه لتلك الشحنة الإضافية من الطاقة الواردة .
فعندما تفيض الطاقة النفسية بذلك الدافع يحدث ما يمكن تسميته تحريض أو إثارة لذلك الدافع وهذا
هو بالضبط تفسير الشعور الجارف بالقلق الذي يعتري النفس كلها ويجعلها مضطربة وغير قادرة
على الانفعال المتزن مع العالم المحيط ، ذلك الشعور بالقلق يتضمن أيضاً الإحساس بوجود فراغ أو
فجوة أو ثغرة في مستوى معين في النفس هو المستوى نفسه الذي حدث فيه تحريض للدافع
النفسي ، فالشعور بذلك الفراغ ناجم عن الإحساس بالحاجة الماسة لإشباع غريزة ذلك الدافع الذي
تمت إثارته ، إذ أن إثارة الدافع جعلت طاقته الانفعالية أعلى مما كانت عليه قبل الإثارة فأصبح غير
قادر على البقاء أو الاستقرار في مستواه الطبيعي فصار الشعور بالحاجة لإشباع ذلك الدافع ملحاً
أكثر مما كان عليه قبل التعرض للإثارة ومن هنا فإن القلق يتضمن أيضاً البحث عن الطريقة
المناسبة لإشباع تلك الحاجة وبأسرع وقت ممكن ، إذ لا تحتمل النفس ذلك الشعور طويلاً ..وعندها
لا يكون أمام الإنسان من خيارات سوى ان يبدأ بالبحث عن طريقة لتفريغ الشحنة الإضافية من
الطاقة النفسية (طاقة التحريض ) فيلجأ لممارسة العملية الإبداعية وذلك بتشغيل الملكة التعبيرية
الخاصة به لتوظيفها في تهدئة الدافع النفسي المثار .وتخليصه من طاقته الانفعالية الفائضة
..كملكة اللغة ( كتابة الشعر أو القصة ...الخاطرة ..الكتابات الفكرية ...إلخ ) أو ملكة الرسم أو
النحت .....الموسيقى ... الغناء ... الرقص ..إلخ وهنا نلاحظ أن اختيار الموضوع الذي سيتم
التعامل معه في العملية الإبداعية مشروط ومحدد بطبيعة الدافع الذي تمت إثارته .. فإثارة دافع
الحب مثلاً يجعل من الحب موضوعاً للقصيدة أو اللوحة أو المقطوعة الموسيقية ...إلخ طلباً
للعودة إلى وضع التوازن النفسي المعهود ...
لكن ما الحل فيما لوكان ذلك الشخص الذي أثير دافعه غير متمكن من توظيف ملكاته ... ؟ كيف
سيستطيع العودة إلى التوازن الانفعالي ؟
مثل هذا الإنسان - وهو يمثل أغلبية الناس - سيقوم بممارسة نشاط نفسي محبب إليه للتفريغ
والعودة إلى التوازن ونلاحظ أن معظم الناس تنطبع نشاطاتهم بدوافعهم المثارة .. حتى أن صاحب
الفراسة يستطيع أن يحدد نوع الدوافع المثارة التي يسعى الشخص لآخر لإشباعها من خلال تحليل
بسيط لمفردات هذا الشخص أو ألوان ثيابه أو ما يشاهده من برامج التلفزيون أو ما يختاره من
مواقع الإنترنت أو ما يقرؤه أو ما يستمع إليه مختاراً أو ما يلتزم بفعله في حياته اليومية .
لكن ! يجب التوقف عند طريقة عظيمة المفعول لاستعادة التوازن الانفعالي عند جميع الناس
المؤمنين وهي الاتصال المباشر مع الله عبر ذكر الله .
وأخيراً يجب التشديد على أهمية عملية الإثارة أو التحريض في مجمل عمليات الإبداع الفني أو
الفكري أو العلمي ..ويجب التشديد أيضاً على أهمية الاعتماد على عملية الإثارة كخطوة أساسية ولا
يمكن الاستغناء عنها لإنجاح أي نوع من الروابط التي نرغب بإنشائها بين الأفراد أو الجماعات ، أو
حتى في مجال التسويق التجاري من خلال خلق احتياجات جديدة للأفراد والمجتمعات لتسويق
الصناعات بهدف تحقيق الأرباح وزيادة الرأسمال. وفي مجال التسويق الإعلامي بهدف نشر
أيديولوجات معينة أو التمهيد لممارسة سياسات معينة . منقول للإستفادة