العلاج النفسي السلوكي لدى المدرسة السلوكية
مؤسس هذه المدرسة العلاجية هو عالم النفس الأمريكي جون واطسون، رائد المدرسة السلوكية وهو صاحب المقولة الشهيرة التي يقول فيها:
«أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم جزافًا وأدربه فأصنع منه ما أريد: طبيبًا أو فنانًا أو عالمًا أو تاجرًا أو لصًا... بغض الطرف عن ميوله وسلالة أسلافه»
استفاد أنصار مدرسة العلاج السلوكي من تطبيق مبادئ الإشراط التقليدي أو الكلاسيكي (المثير والاستجابة أو التعلم الشرطي) التي وضع قوانينها وأسسها العالم الروسي إيفان بافلوف، كذلك استفاد أنصار السلوكية من نظريات التعزيز والتدعيم (أو العقاب والثواب) التي أسسها إدوارد لي ثورندايك ، كلارك ليونارد هل ، بورهوس فريدريك سكينر . حيث تستند إلى تعزيز الاستجابات المطلوبة عن طريق المعززات (الموجبة أو السالبة) لضبط السلوك السوي والمطلوب في الشخصية، حيث يثاب الفرد على السلوك السوي ليستمر في مواصلته من ثم تثبيته، كما يعاقب الفرد على السلوك غير السوي مما يؤدي إلى تجنبه لتجنب العقاب.
وهذه نظريات وضعت في الأساس بغرض تعليمي بحت، وهو تثبيت أثر السلوك المتعلم في ذهن التلاميذ لأطول فترة ممكنة، وذلك للاستفادة من السلوك المتعلم إلى أقصى حد ممكن في المستقبل، وكانت الفكرة ـ في الأساس ـ تهدف إلى إعداد الشخصية السوية والمتوازنة للفرد ليتمكن من مجابهة المشاكل التي ستواجهه في مستقبل حياته، وحلها بصورة منطقية سليمة، حتى لا تتسبب له في أي نوع من الاضطرابات النفسية التي قد تنتج من الإحباطات التي تعترض مسيرة كل فرد منا أثناء حياته، الأمر الذي يجعله عرضة للتعلم من تجاربه وخبراته المكتسبة والمتعلمة وهو أمر طبيعي. كذلك من الطبيعي أن يتحدد السلوك (السوي أو المرضي) لكل فرد منا بناءًا على تفاعله واستجاباته للمثيرات الحسية والمعنوية التي سيتعرض لها.
ويرى السلوكيون (بالإنكليزية: behaviorism) أن السلوك بنوعيه (السوي والمرضي) متعلم ومكتسب أي أنه ليس بفطري ولا غريزي ولا يورث عن طريق الجينات الوراثية، لذلك كانت رؤيتهم للمرض النفسي مقتبسة ومستنبطة من التعلم غير المتوافق، أو غير السوي. إذ أنهم يرون أن المرض النفسي ما هو إلا عبارة عن تراكم لمجموعة من السلوكيات الخاطئة والمتعلمة من البيئة المحيطة بالمريض، وبالتالي لا يكون هذا السلوك ـ غير السوي ـ متأصلًا في الفرد وإنما هو دخيل عليه ومكتسب من البيئة التي يتفاعل معها المريض بصورة غير متوافقة مما يتسبب له في ظهور أعراض الاضطرابات النفسية والعصبية، الناجمة عن السلوك غير السوي والمتعلم والمكتب من البيئة.
عوامل النظرية
من هنا استنبط أصحاب المدرسة السلوكية عوامل نظريتهم:
• السلوك الإنساني بنوعيه (السوي والمضطرب) مكتسب ومتعلم، ما عدا السلوك الغريزي والفطري.
• السلوك المضطرب هو سلوك مكتسب، ولكنه غير متوافق مع البيئة التي نشأ فيها الشخص المطرب. بينما السلوك السوي هو أيضًا سلوك مكتسب ولكنه متوافق مع البيئة المحيطة بالفرد.
• ينجم السلوك المضطرب عن تراكم خبرات واستجابات غير متوافقة مما يعرض الفرد إلى ظهور أعراض الاضطراب النفسي.
• تتغلب نسبة تعلم السلوك المضطرب على نسبة تعلم السلوك السوي لدي الشخص المضطرب.
• بالإمكان تعديل السلوك المضطرب، ليحل محله السلوك السوي بالتعلم.
• يمكن للفرد أن يكتسب أو يتعلم دوافع جديدة تساعده على التخلص من السلوك المضطرب.
لقد أفادت هذه الطريقة في علاج جملة اضطرابات عصبية نفسية المنشأ مثل: الرُهاب (الخواف)، الوسواس القسري، والقلق والاكتئاب النفسي. وقد أظهرت عشرون دراسة مدى فعالية هذا الأسلوب العلاجي سواء أكان ذلك على المدى القصير أو المدى حين طُبِّق على المرضى إذ تبين أن ما نسبته (51%) من المصابين باضطرابات نفسية قد تم شفاؤهم، و39% منهم قد أظهروا تحسنًا بشكل واضح، وإلى حد كبير. أما البقية الباقية وهي ما نسبته 10% فقط فلم يظهروا أي نوع من التحسن. وربما تكون هناك بعض العوامل البيئية أو الشخصية قد أسهمت في عدم فعالية العلاج السلوكي الذي عولجوا به.
طرق وأساليب العلاج السلوكي
تمارس المدرسة السلوكية طرق وأساليب مختلفة ومتنوعة في العلاج النفسي سنحاول أن نتطرق إليها بشيء من التلخيص غير المخل، وذلك نسبة تعددها:
طريقة إزالة الحساسية بشكل منتظم
يقوم المعالج الذي يستخدم هذا الأسلوب بمحاولة تخفيف التوتر والقلق الناجم عن الموقف المثير للتوتر، بإحداث مثير (موقف) مضاد للمثير الأول ويتم ذلك بالتدريج خلال فترة الجلسات العلاجية، حيث يحل ـ تدريجًا ـ المثير الشرطي محل المثير الطبيعي المسبب للاضطراب.
من الملاحظ هنا أن دور المعالج هو عبارة عن مدرب أو مساعد يساعد العميل في تعديل سلوكه تجاه الموقف المتسبب له في الاضطراب مما يساعد المريض على الانتقال إلى حالة الشفاء بعد عدة جلسات من الاسترخاء والتخيل للموقف المثير، ثم الحدث عنه، ثم التعامل معه... إلى أن يزول التوتر الناشئ عن المثير الذي تسبب في الاضطراب.
طريقة التفجير الداخلي
هذا الأسلوب العلاجي مضاد أو مختلف تمامًا عن الأسلوب الأول، حيث يستخدم المعالج فيه المثير المتسبب في الاضطراب لإحداث أعلى درجة من درجات الخوف والتوتر دفعة واحدة، مما يرفع حالة الشعور بالتوتر والخوف لدى العميل إلى أقصى درجة ممكنة، وبهذه الطريقة يحدث نوع من الشفاء السريع، وذلك عندما يدرك العميل أن توتره وخوفه لم يكن لهما أي مبرر، وبذلك يكون قد تعلم أو اكتسب استجابة جديدة تساعده على مواجهة المثير المتسبب في الاضطراب بشكل جديد ليس فيه أي نوع من أنواع الاضطراب التي كانت تحدث في السابق.
طريقة الغمر
هناك تشابه ـ إلى حد كبيرـ بين هذه الطريقة من أساليب العلاج السلوكي وبين الطريقة السابقة (التفجير الداخلي) حيث يوضع العميل في طريقة الغمر في مواجهة المثير المتسبب في الاضطراب، ولا يطلب إليه تخيله ـ كما في الطريقة السابقة ـ والغرض من ذلك هو وضع العميل في موقف مشابه للموقف المتسبب في خلق إحداث الاضطراب، مما يجعله يستجيب للمثير بشكل صحيح ومختلف عما كان عليه قبل العلاج إذ يتعلم العميل من هذا الموقف الجديد استجابة جديدة تعلمه كيفية التعامل مع هذا الموقف المثير للاضطراب فلا يعود إلى الاستجابة الخاطئة مرة أخرى.
وقد أثبتت بعض التجارب التي أجريت للمقارنة بين الطريقتين، أن طريقة الغمر أفضل في علاج اضطراب الرهاب (الخواف).
طريقة التشكيل والتسلسل
تعد هذه الطريقة من طرق العلاج السلوكي من الطرق الفعالة في العلاج النفسي، وهي أقرب أو أشبه بطريقة إزالة الحساسية بشكل منتظم، حيث يجعل المعالج العميل يتشكل وفق النموذج المطلوب من خلال أنموذج وبالتدريج، أي أن يتعلم العميل كف الاستجابة الخاطئة لتحل محلها الاستجابة الصحيحة في حالة تعرضه للموقف المثير للاضطراب. وكمثال على ذلك نجد أن كثيرًا من الناس يتعلمون من خلال محاولة التقليد أو التشبه بالآخر لتعلم سلوكه. من هنا جاءت الفكرة لعلاج السلوك المضطرب بحيث يتشكل العميل حتى يصبح صورة مطابقة للنموذج، فإذا كان هناك من يخاف السباحة فيمكنه أن يرى كيف يتعامل أقرانه مع النهر مما سيشجعه على أن يصبح مثلهم، وكلما كان النموذج محبوبًا كانت الاستجابة أسرع والعكس.
العلاج السلوكي المعرفي
يتركز هذا الأسلوب حول العميل وأفكاره عن نفسه فهو يعتمد على تغيير وتعديل مفهوم العميل تجاه نفسه وتجاه المواقف المثيرة التي تجابه مسيرته، مما يساعده على تغيير استجاباته لتصبح استجابات صحيحة وغير خاطئة. وتستخدم في هذا الأسلوب المناقشة العقلية والمنطقية. ويهدف المعالج من خلال تلك المناقشة العقلية إلى إزالة الأفكار والمفاهيم والمعتقدات السالبة والخاطئة وغير المتوافقة مع السلوك المتعارف عليه بين الآخرين (البيئة الاجتماعية)، والتي كانت تعشعش وتملأ رأس العميل مما يجعله يستجيب استجابات غير سليمة ولا واقعية للمثيرات (المواقف) التي يمر بها، ولكن ما إن تتغير مفاهيمه وأفكاره الخاطئة تجاه نفسه حتى يتماثل للشفاء.
وتعد هذه الطريقة من الطرق الفعالة في علاج الاكتئاب النفسي. لاسيما وأن المصابين بالاكتئاب يتميزون بالتشاؤم من حياتهم ومستقبلهم ويكثرون من لوم أنفسهم وتسيطر عليهم علامات الحزن واليأس...، فإذ تمكنا من تعديل تلك النظرة المتشائمة التي سيطرت على عقل العميل، بأن جعلناه يغير نظرته إلى نفسه ومستقبله بحيث تحل نظرة التفاؤل محل التشاؤم، نكون بذلك قد تمكنا من مساعدة العميل على العلاج والشفاء التام.
طريقة التدعيم (التعزيز)
هي طريقة تتميز بالسهولة في التطبيق، وقد يمارسها الفرد دون أن يعلم أنه يقوم بممارسته، لاسيما في التعامل مع الأبناء أو التلاميذ في المدرسة. إذ تعتمد هذه الطريقة على فكرة الثواب والعقاب أو التدعيم والمكفئة الإيجابية، فيثاب العميل على كل استجابة صحيحة، بينما يتم تجاهل كل استجابة غير صحيحة، مما يجعله يتعلم الاستجابات المطلوبة عن طريق الثواب، ويكف ويتوقف عن الاستجابات الخاطئة عندما نهملها ونتجاهلها.
مجالات استخدام العلاج السلوكي
يساعد استخدام طرق وأساليب العلاج السلوكي في التغلب على الكثير من أنواع الاضطرابات النفسية وكما ويساهم في علاجها بشكل فعال، ومن المجالات التي يمكن ذكرها
• تعتبر أساليب العلاج السلوكي هذه من أنجع الطرق في علاج اضطراب الخواف الذي يصيب بعض الأطفال من الحيوانات، وبعض الكبار من الأماكن: الفسيحة، المفتوحة، العالية، المظلمة المواجهة...
• يفيد العلاج السلوكي في الشفاء من الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات، وأيضا النواحي الجنسية كالشذوذ الجنسي والجنسية المثلية.
• يفيد في حالات الوسواس القسري والقلق والاكتئاب..